59- باب الحث على الأكل من عمل يده والتعفف به عن السؤال والتعرض للإعطاء
قال الله تعالى: {فإذا قضيت الصلاة فانتشروا فى الأرض وابتغوا من فضل الله} ((الجمعة 10)).
539- عن أبي عبد الله الزبير بن العوام رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “لأن يأخذ أحدكم أحبله ثم يأتى الجبل فيأتي بحزمة من حطب على ظهره فيبيعها، فيكف الله بها وجهه، خير له من أن يسأل الناس أعطوه أومنعوه" ((رواه البخاري)).
540- وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "لأن يحتطب أحدكم حزمة على ظهره، خير له من أن يسأل أحداً فيعطيه أو يمنعه" ((متفق عليه)).
541- وعنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كان داود عليه السلام لا يأكل إلا من عمل يده". ((رواه البخاري)).
542- وعنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “كان زكريا عليه السلام نجاراً” ((رواه مسلم)).
543- وعن المقدام بن معد يكرب رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ما أكل أحد طعاماً قط خيراً من أن يأكل من عمل يده، وإن نبى الله دواد صلى الله عليه وسلم كان يأكل من عمل يده". ((رواه البخاري)).
60- باب الكرم والجود والإنفاق فى وجوه الخير ثقة بالله تعالى:
قال الله تعالى: {وما أنفقتم من شئ فهو يخلفه} ((سبأ: 39)) وقال تعالى: {وما تنفقوا من خير فلأنفسكم وما تنفقون إلا ابتغاء وجه الله وما تنفقوا من خير يوف إليكم وأنتم لا تظلمون} ((البقرة 272)) وقال تعالى {وما تنفقوا من خير فإن الله به عليم} ((البقرة 273)).
544- وعن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا حسد إلا فى اثنتين: رجل آتاه الله مالاً، فسلطه على هلكته فى الحق، ورجل آتاه الله حكمة، فهو يقضي بها ويعلمها" ((متفق عليه)).
(((1)
545- وعنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “أيكم مال وارثه أحب إليه من ماله؟” قالوا: يا رسول الله، ما منا أحد إلا ماله أحب إليه. قال: "فإن ماله ما قدم ومال وارثه ما أخر" ((رواه البخاري)).
546- وعن عدى بن حاتم رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "اتقوا النار ولو بشق تمرة" ((متفق عليه)).
547- وعن جابر رضي الله عنه قال: ما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً قط فقال: لا. ((متفق عليه)).
548- وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقاً خلفاً، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكاً تلفاً" ((متفق عليه)).
549- وعنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “قال الله تعالى: انفق يا ابن آدم ينفق عليك” ((متفق عليه)).
550- عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم : أى الإسلام خير؟ قال: "تطعم الطعام، وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف". ((متفق عليه)).
551- وعنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “أربعون خصلة أعلاها منيحة العنز ما من عامل يعمل بخصلة منها رجاء ثوابها وتصديق موعودها إلا أدخله الله تعالى بها الجنة” ((رواه البخاري. وقد سبق بيان هذا الحديث فى باب بيان كثرة طرق الخير)).
552- وعن أبي أمامة صدى بن عجلان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “يا ابن آدم إنك أن تبذل الفضل خير لك، وأن تمسكه شر لك، ولا تلام على كفاف، وابدأ يمن تعول واليد العليا خير من اليد السفلى" ((رواه مسلم)).
553- وعن أنس رضي الله عنه قال: ما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإسلام شيئاً إلا أعطاه، ولقد جاءه رجل، فأعطاه غنماً بين جبلين فرجع إلى قومه فقال: يا قوم أسلموا، فإن محمداً يعطى من لا يخشى الفقر، وإن كان الرجل ليسلم ما يريد إلا الدنيا، فما يلبث إلا يسيراً حتى يكون الإسلام أحب إليه من الدنيا وما عليها”. ((رواه مسلم)).
554- وعن عمر رضي الله عنه قال: قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم قسماً، فقلت: يا رسول الله لغير هؤلاء كانوا أحق به منهم؟ فقال: "إنهم خيروني أن يسألوني بالفحش فأعطيهم، أو يبخلوني، ولست بباخل" . ((رواه مسلم)).
555- وعن جبير بن مطعم رضي الله عنه أنه قال: بينما هو يسير مع النبي صلى الله عليه وسلم مقفله من حنين، فعلقه الأعراب يسألونه، حتى اضطروه إلى سمرة، فخطفت رداءه، فوقف النبي صلى الله عليه وسلم فقال: “أعطونى ردائى، فلو كان لى عدد هذه العضاة نعماً، لقسمته بينكم، ثم لا تجدونى بخيلاً ولا كذاباً ولا جباناً ((رواه البخاري)).
(((2))).
556- وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبداً بعفو إلا عزاً، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله عز وجل” ((رواه مسلم)).
557- وعن أبي كبشة عمرو بن سعد الأنمارى رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ثلاثة أقسم عليهن وأحدثكم حديثاً فاحفظوه: ما نقص مال عبد من صدقة،ولا ظلم عبد مظلمة صبر عليها إلا زاده الله عزاً، ولا فتح عبد باب مسألة إلا فتح الله عليه باب فقر، أو كلمة نحوها وأحدثكم حديثاً فاحفظوه قال: إنما الدنيا لأربعة نفر:
عبد رزقه الله مالاً وعلماً، فهو يتقى فيه ربه، ويصل فيه رحمه، ويعلم لله فيه حقاً فهذا بأفضل المنازل.
وعبد رزقه الله علماً، ولم يرزقه مالاً فهو صادق النية يقول: لو أن لى مالاً لعملت بعمل فلان، فهو بنيته فأجرهما سواء.
وعبد رزقه الله مالاً، ولم يرزقه علماً، فهو يخبط فى ماله بغير علم، لا يتقى فيه ربه ولا يصل فيه رحمه، ولا يعلم لله فيه حقاً، فهذا بأخبث المنازل.
وعبد لم يرزقه الله مالاً ولا علماً، فهو يقول: لو أن لى مالاً لعملت فيه بعمل فلان، فهو بنيته، فوزرهما سواء”
((رواه الترمذى وقال: حديث حسن صحيح)).
558- وعن عائشة رضي الله عنها أنهم ذبحوا شاة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : "ما بقى منها؟" قالت: ما بقى منها إلا كتفها، قال: “بقى كلها غير كتفها” ((رواه الترمذى وقال: حديث صحيح)).
(((3))).
559- وعن أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما قالت: قال لى رسول الله صلى الله عليه وسلم : "لا توكى فيوكى عليك".
وفى رواية “أنفقى أو انفحى، أو انضحى، ولا تحصى فيحصى الله عليك ولا توعى فيعي الله عليك”
((متفق عليه)).
(((4))).
560- وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “مثل البخيل والمنفق، كمثل رجلين عليهما جنتان من حديد من ثديهما إلى ترا قيهما، فأما المنفق، فلا ينفق إلا سبغت، أو وفرت على جلده حتى تخفى بنانه، وتعفو أثره، وأما البخيل، فلا يريد أن ينفق شيئاً إلا لزقت كل حلقةْ مكانها، فهو يوسعها فلا تتسع” ((متفق عليه)) .
و”الجنة” الدرع، ومعناه: أن المنفق كلما أنفق سبغت، وطالت حتى تجر وارءه، وتخفى رجليه وأثر مشيه وخطواته.
561- وعنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب، ولا يقبل إلا الطيب، فإن الله يقبلها بيمينه، ثم يربيها لصاحبها كما يربى أحدكم فلوه حتى تكون مثل الجبل " ((متفق عليه))
“الفلو” بفتح الفاء وضم اللام وتشديد الواو، ويقال أيضاً: بكسر الفاء وإسكان اللام وتخفيف الواو: وهو المهر .
562- وعنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “بينما رجل يمشى بفلاة من الأرض، فسمع صوتاً فى سحابة: إسق حديقة فلان، فتنحى ذلك السحاب فأفرغ ماءه فى حرة، فإذا شرجة من تلك الشراح قد استوعبت ذلك الماء كله، فتتبع الماء، فإذا رجل قائم فى حديقته يحول الماء بمسحاته، فقال له: يا عبد الله ما اسمك ، قال: فلان للاسم الذى سمع فى السحابة، فقال له: يا عبد الله لم تسألني عن اسمي ؟ فقال: إنى سمعت صوتاً فى السحاب الذى هذا ماؤه يقول: اسق حديقة فلان لإسمك، فما تصنع فيها؟ فقال: أما إذا قلت هذا فإنى أنظر إلى ما يخرج منها، فأتصدق بثلثه، وآكل أنا وعيالى ثلثاً، وأرد فيها ثلثه ((رواه مسلم)).
“الحرة” الأرض الملبسة حجارة سوداء. “والشرجة” بفتح الشين المعجمة وإسكان الراء وبالجيم: هى مسيل الماء.
61- باب النهى عن البخل والشح
قال الله تعالى: {وأما من بخل واستغنى. وكذب بالحسنى. فسنيسره للعسرى، وما يغنى عنه ماله إذا تردى} ((الليل: 8-11)). وقال تعالى: {ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون} ((التغابن:16)).
وأما الأحاديث فتقدمت جملة منها فى الباب السابق.
563- وعن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة واتقوا الشح فإن الشح أهلك من كان قبلكم حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم” ((رواه مسلم)).
62- باب الإيثار والمواساة.
قال الله تعالى: {ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة} ((الحشر: 9)). وقال تعالى: {ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيراً} ((الدهر:8)). إلى آخر الآيات.
564- وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إنى مجهود، فأرسل إلى بعض نسائه، فقالت: والذى بعثك بالحق ما عندى إلا ماء، ثم أرسل إلى أخرى، فقالت مثل ذلك، حتى قلن كلهن مثل ذلك: لا والذى بعثك بالحق ما عندى إلا ماء. فقال النبي صلى الله عليه وسلم “ من يضيفه هذا الليلة؟” فقال رجل من الأنصار: أنا يا رسول الله، فانطلق به إلى رحله ، فقال لامرأته: أكرمي ضيف رسول الله صلى الله عليه وسلم
وفى رواية قال لامرأته : هل عندك شئ؟ قالت: لا، إلا قوت صبيانى. قال: فعلليهن بشئ.وإذا أرادوا العشاء فنوميهم. وإذا دخل ضيفنا فأطفئ السراج وأريه أنا نأكل، فقعدوا وأكل الضيف وبات طاويين، فلما أصبح ، غدا على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: “لقد عجب الله من صنيعكما بضيفكما الليلة”
((متفق عليه)) .
565- وعنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " طعام الاثنين كافي الثلاثة، وطعام الثلاثة كافي الأربعة" ((متفق عليه)) .
وفى رواية لمسلم عن جابر رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: طعام الواحد يكفي الاثنين وطعام الاثنين يكفي الأربعة، وطعام الأربعة يكفي الثمانية.
566- عن أبي سعيد الخدرى قال: بينما نحن فى سفر مع النبي صلى الله عليه وسلم إذ جاء رجل على راحلة له ، فجعل يصرف بصره يمينا وشمالاً فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :” من كان معه فضل ظهر فليعد به على من لا ظهر له، ومن كان له فضل من زاد فليعد به على من لا زاد له” فذكر من أصناف المال ما ذكر حتى رأينا أنه لا حق لأحد منا فى فضل. ((رواه مسلم)).
567- وعن سهل بن سعد رضي الله عنه، أن امرأة جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ببردة منسوجة فقالت: نسجتها لأكسوكها، فأخذها النبي صلى الله عليه وسلم محتاجاً إليها ، فخرج إلينا وإنها إزاره، فقال فلان، اكسونيها ما أحسنها! فقال:” نعم” فجلس النبي صلى الله عليه وسلم فى المجلس ثم رجع فطواها ثم أرسل به إليه: فقال له القوم: ما أحسنت! لبسها النبي صلى الله عليه وسلم محتاجاً إليها ثم سألته وعلمت أنه لا يرد سائلاً ، فقال: إنى والله ما سألته لألبسها وإنما سألته لتكون كفني، قال سهل: فكانت كفنه. ((رواه البخاري))
568- وعن أبي موسى رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الأشعريين إذا أرملوا فى الغزو، أو قل طعام عيالهم بالمدينة جمعوا ما كان عندهم فى ثوب واحد، اقتسموه بينهم فى إناء واحد بالسوية فهم منى وأنا منهم” ((متفق عليه)) .
“أرملوا” فرغ زادهم أو قارب الفراغ.
63- باب التنافس فى أمور الآخرة والإستكثار مما يتبرك به
قال الله تعالى: {وفى ذلك فليتنافس المتنافسون} ((المطففين :26)).
569- وعن سهل بن سعد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي بشراب، فشرب منه وعن يمينه غلام، وعن يساره الأشياخ، فقال للغلام:” أتأذن لى أن أعطي هؤلاء؟” فقال الغلام لا والله يا رسول الله، لا أؤثر منك أحداً، فتله رسول الله صلى الله عليه وسلم فى يده . ((متفق عليه)) .
“تله” بالتاء المثناه، فوق ، أى وضعه، وهذا الغلام هو ابن عباس رضي الله عنهما.
570- وعن أبي هريرة رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “بينما أيوب عليه السلام يغتسل عريانا، فخر عليه جراد من ذهب، فجعل أيوب يحثي فى ثوبه فناداه ربه عز وجل يا أيوب ألم أكن أغنيتك عما ترى؟! قال:بلى وعزتك، ولكن لا غنى بى عن بركتك، ((رواه البخاري)).
64- باب فضل الغني الشاكر وهو من أخذ المال من وجهه وصرفه فى وجوهه المأمور بها
قال الله تعالى: {فأما من أعطى واتقى* وصدق بالحسنى* فسنيسره لليسرى} ((الليل:5-7)). وقال تعالى وسيجنبها الأتقى* الذى يؤتي ماله يتزكى* وما لإحد عنده من نعمة تجزى *إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى *ولسوف يرضي} ((الليل: 17-21)). وقال تعالى: { إن تبدو الصدقات فنعما هى وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم ويكفر عنكم من سيئاتكم والله بما تعملون خبير} ((البقرة:271)).وقال تعالى:{لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون وما تنفقوا من شئ فإن الله به عليم} {آل عمران:92))
والآيات فى فضل الإنفاق فى الطاعات كثيرة معلومة.
571- وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “ لا حسد إلا فى اثنتين : رجل آتاه الله مالاً ، فسلطه على هلكته فى الحق، ورجل آتاه الله حكمة فهو يقضي بها ويعلمها” ((متفق عليه وتقدم شرحه قريباً)) .
572- وعن ابن عمر رضي الله عنهما: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" لا حسد إلى فى اثنتين: رجل آتاه الله القرآن، فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار، ورجل آتاه الله مالاً فهو ينفقه آناء الليل وآناء النهار” ((متفق عليه)) (((5))).
573- وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن فقراء المهاجرين أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: "ذهب أهل الدثور بالدرجات العلى والنعيم المقيم، فقال: "وما ذاك؟” فقالو”:يصلون كما نصلى، ويصومون كما نصوم ويتصدقون ولانتصدق، ويعتقون ولا نعتق فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم :” أفلا أعلمكم شيئا تدركون به من سبقكم، وتسبقون به من بعدكم ، ولا يكون أحد أفضل منكم إلا من صنع مثل ما صنعتم؟” قالوا: بلى يا رسول الله ، قال: تسبحون ، وتكبرون، وتحمدون ، دبر كل صلاة ثلاثاً وثلاثين مرة” فرجع فقراء المهاجرين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالو: سمع إخواننا أهل الأموال بما فعلنا، ففعلوا مثله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء” ((متفق عليه)) ، وهذا لفظ ((رواية مسلم)).
(((6)))
65- باب ذكر الموت وقصر الأمل
قال الله تعالى: {كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور} ((آل عمرا، : 185)) وقال تعالى: {وما تدرى نفس ماذا تكسب غدا وما تدرى نفس بأى أرض تموت} ((لقمان: 34)) وقال تعالى: {فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون} ((النحل:61)) وقال تعالى {يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ، ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون* وأنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتى أحدكم الموت فيقول رب لولا أخرتنى إلى أجل قريب فأصدق وأكن من الصالحين* ولن يؤخر الله نفساً إذا جاء أجلها والله خبير بما تعملون} ((المنافقون:9-11)) وقال تعالى: {حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون لعلي أعمل صالحاً فيما تركت كلا إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون * فإذ نفخ فى الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتسائلون فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون* ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا انفسهم فى جهنم خالدون* تلفح وجوههم النار وهم فيها كالحون * ألم تكن آياتى تتلى عليكم فكنتم بها تكذبون} إلى قوله تعالى: {كم لبثتم فى الأرض عدد سنين * قال لبثنا يوماً أو بعض يوم فاسأل العادين * قال إن لبثتم إلا قليلاً لو أنكم كنتم تعلمون * أفحسبتم أنما خلقناكم عبثاً وأنكم إلينا لا ترجعون} ((المؤمنون:99-115)) وقال تعالى: { ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون} ((الحديد:16)) والآيات فى الباب كثيرة معلومة.
574- وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنكبي فقال: "كن فى الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل".
وكان ابن عمر رضي الله عنهما يقول: إذا أمسيت، فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت، فلا تنتظر المساء، وخذ من صحتك لمرضك، ومن حياتك لموتك “
((رواه البخاري)).
575- وعنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “ ما حق امرئ مسلم ، له شئ يوصي فيه ، يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده” ((متفق عليه)) هذا لفظ البخاري.
وفى رواية لمسلم” يبيت ثلاث ليال: قال ابن عمر: ما مرت على ليلة منذ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذلك إلا وعندي وصيتي.
576- وعن أنس رضي الله عنه قال: خط النبي صلى الله عليه وسلم خطوطا فقال: "هذا الإنسان، وهذا أجله، فبينما هو كذلك إذ جاء الخط الأقرب” ((رواه البخاري)).
577- وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: خط النبي صلى الله عليه وسلم خطا مربعا، وخط خطاً فى الوسط خارجاً منه، وخط خططاً صغاراً إلى هذا الذى فى الوسط من جانبه الذى فى الوسط، فقال: “هذا الإنسان، وهذا أجله محيطا به -أو قد أحاط به- وهذا الذى هو خارج أمله، وهذه الخطط الصغار الأعراض فإن أخطأه هذا ، نهشه هذا، وإن أخطأه هذا نهشه هذا” ((رواه البخاري)) وهذه صورته:
578- وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال: “بادروا بالأعمال سبعاً، هل تنتظرون إلا فقراً منسياً، أو غنى مطغياً، أو مرضاً مفسداً، أو هرماً مفنداً، أو موتاً مجهزاً، أو الدجال، فشر غائب ينتظر، أو الساعة، فالساعة أدهى وأمر؟!” ((رواه الترمذى وقال: حديث حسن)).
579- وعنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أكثروا ذكر هاذم اللذات” ((يعنى الموت)) ((رواه الترمذى وقال: حدث حسن)).
580- وعن أبي بن كعب رضي الله عنه: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا ذهب ثلث الليل، قام فقال: "يا أيها الناس اذكروا الله، جاءت الراجفة، تتبعها الرادفة، جاء الموت بما فيه، جاء الموت بما فيه” قلت: يا رسول الله إنى أكثر الصلاة عليك، فكم أجعل لك من صلاتى؟ قال: “ما شئت” قلت: الربع؟ قال: “ما شئت، فإن زذت فهو لك” قلت: فالنصف؟ قال: ما شئت فإن زذت فهو لك قلت ” فالثلثين؟ قال: ما شئت فإن زدت فهو خير لك” قلت: أجعل لك صلاتى كلها؟ قال: “إذا تكفى همك، ويغفر لك ذنبك” ((رواه الترمذى وقال: حديث حسن)).
66-باب استحباب زيارة القبور للرجال وما يقوله الزائر
581- عن بريدة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها" ((رواه مسلم)).وفي رواية "فمن أراد أن يزور القبور فليزر؛ فإنها تذكرنا الآخرة "
582- وعن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كلما كان ليلتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج من آخر الليل إلى البقيع، فيقول: السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وأتاكم ما توعدون، غداً مؤجلون وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد” ((رواه مسلم)).
583- وعن بريدة رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلمهم إذا خرجوا إلى المقابر أن يقول قائلهم: “السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين وإنا إن شاء الله بكم للاحقون، أسأل الله لنا ولكم العافية” ((رواه مسلم)).
584- وعن ابن عباس رضي الله عنهما، قال مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقبور بالمدينة فأقبل عليهم بوجهه فقال: “السلام عليكم يا أهل القبور، يغفر الله لنا ولكم أنتم سلفنا ونحن بالأثر” ((رواه الترمذي وقال: حديث حسن)).
67- باب كراهة تمنى الموت بسبب ضر نزل به ولا بأس به لخوف الفتنة فى الدين
585- عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “لا يتمن أحدكم الموت إما محسناً فلعله يزداد، وإما مسيئاً فلعله يستعتب” ((متفق عليه)) .وهذا لفظ البخاري
وفى رواية لمسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “لا يتمن أحدكم الموت، ولا يدع به من قبل أن يأتيه، إنه إذا مات انقطع عمله، وإنه لا يزيد المؤمن عمره إلا خيراً”.
586- وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا يتمنين أحدكم الموت لضر أصابه فإن كان لابد فاعلاً، فليقل: اللهم أحينى ما كانت الحياة خيراً لى، وتوفنى إذا كانت الوفاة خيراً لى” ((متفق عليه)).
587- وعن قيس بن أبي حازم قال: دخلنا على خباب بن الأرت رضي الله عنه نعوده وقد اكتوى سبع كيات فقال: إن أصحابنا الذين سلفوا مضوا، ولم تنقصهم الدنيا، وإنا أصبنا ما لا نجد له موضعاً إلا التراب ولولا أن النبي صلى الله عليه وسلم نهاناً أن ندعوا بالموت لدعوت به، ثم أتيناه مرة أخرى وهو يبنى حائطاً له فقال: إن المسلم ليؤجر فى كل شئ ينفقه إلا فى شئ يجعله فى هذا التراب. ((متفق عليه وهذا لفظ رواية البخاري)).
68- باب الورع وترك الشبهات
قال الله تعالى: {وتحسبونه هيناً وهو عند الله عظيم} ((النور 15))، وقال تعالى: {إن ربك لبالمرصاد} ((الفجر 14)).
588- وعن النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “إن الحلال بين، وإن الحرام بين، وبينهما مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات، استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع فى الشبهات، وقع فى الحرام، كالراعى يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه ألا وإن لكل ملك حمى، ألا وإن حمى الله محارمه، ألا وإن فى الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله: ألا وهى القلب” ((متفق عليه. وروياه من طرق بألفاظ متقاربة))
589- عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم، وجد تمرة فىالطريق فقال: “لولا أنى أخاف أن تكون من الصدقة لأكلتها” ((متفق عليه))
590- وعن النواس بن سمعان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: البر حسن الخلق، والإثم ما حاك فى نفسك، وكرهت أن يطلع عليه الناس” ((رواه مسلم)).
(((7))).
591- وعن وابصة بن معبد رضي الله عنه قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: “جئت تسأل عن البر؟” قلت نعم، فقال: "استفت قلبك البر ما اطمأنت إليه النفس، واطمأن إليه القلب، والإثم ما حاك فى النفس وتردد فىالصدر، وإن أفتاك الناس وأفتوك” ((حديث حسن، رواه أحمد والدارمي فى مسنديهما)).
592- وعن أبي سروعة -كسر السين المهملة ونصبها- عقبة بن الحارث رضي الله عنه أنه تزوج ابنة لأبي إهاب بن عزيز، فأتته امرأة فقالت: إنى قد أرضعت عقبة والتى قد تزوج بها، فقال لها عقبة: ما أعلم أنك أرضعتني ولا أخبرتني فركب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة فسأله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “كيف، وقد قيل؟!” ففارقها عقبة ونكحت زوجاً غيره”. ((رواه البخاري)).
(((8))).
593- وعن الحسن بن على رضي الله عنهما، قال: حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم: "دع ما يريبك إلى ما لا يريبك" ((رواه الترمذى وقال: حديث حسن صحيح)).
(((9))).
594- وعن عائشة رضي الله عنها، قالت: كان لأبي بكر الصديق رضي الله عنه غلام يخرج له الخراج وكان أبو بكر يأكل من خراجه فجاء يوماً بشئ، فأكل منه أبو بكر، فقال له الغلام: تدرى ما هذا؟ فقال أبو بكر: ما هو؟ قال: كنت تكهنت لإنسان فى الجاهلية وما أحسن الكهانة إلا أني خدعته فلقيني، فأعطاني بذلك هذا الذى أكلت منه، فأدخل أبو بكر يده فقاء كل شئ فى بطنه” ((رواه البخاري)).
(((10))).
595- وعن نافع أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان فرض للمهاجرين الأولين أربعة آلاف وفرض لابنه ثلاثة آلاف وخمسمائة، فقيل له: هو من المهاجرين فلم نقصته؟ فقال: إنما هاجر به أبوه، يقول: ليس هو كمن هاجر بنفسه” ((رواه البخاري))
596- وعن عطية بن عروة السعدى الصحابي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يبلغ العبد أن يكون من المتقين حتى يدع مالا بأس به حذرا لما به بأس".
((رواه الترمذى وقال: حديث حسن)).
69- باب استحباب العزلة عند فساد الناس والزمان أو الخوف من فتنة فى الدين ووقوع فى حرام وشبهات ونحوها
قال الله تعالى: {ففروا إلى الله إنى لكم منه نذير مبين} ((الذاريات 50))
597- وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم: يقول: “إن الله يحب العبد التقي الغني الخفي” ((رواه مسلم)).
والمراد: بـ “الغني” غني النفس، كما سبق فى الحديث الصحيح.
598- وعن أبي سعيد الخدرى رضي الله عنه قال: قال رجل: أى الناس أفضل يا رسول الله؟ قال: "مؤمن مجاهد بنفسه وماله فى سبيل الله" قال: ثم من؟ قال: " رجل معتزل فى شعب من الشعاب يعبد ربه"
وفى رواية: "يتقي الله، ويدع الناس من شره"
((متفق عليه)).
599- وعنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يوشك أن يكون خير مال المسلم غنم يتتبع بها شعف الجبال، ومواقع القطر، يفر بدينه من الفتن" ((رواه البخاري)). وشعف الجبال :أعلاها
600- وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما بعث الله نبياً إلا رعى الغنم” فقال أصحابه: أنت؟ قال: كنت أرعاها على قراريط لأهل مكة”. ((رواه البخاري)).
601- وعنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: “من خير معاش الناس رجل ممسك عنان فرسه فى سبيل الله، يطير على متنه، كلما سمع هيعه أو فزعة، طار عليه يبتغى القتل، أو الموت مظانه، أو رجل فى غنيمة فى رأس شعفة من هذه الشعف، أو بطن واد من هذه الأودية يقيم الصلاة، ويؤتى الزكاة، ويعبد ربه حتى يأتيه اليقين، ليس من الناس إلا فى خير” ((رواه مسلم)).
(((11))).
70- باب فضل الاختلاط بالناس حضور جمعهم وجماعاتهم، ومشاهد الخير، ومجالس الذكر معهم وعيادة مريضهم وحضور جنائزهم ومواساة محتاجهم، وإرشاد جاهلهم، وغير ذلك من مصالحهم، لمن قدر على الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر وقمع نفسه عن الإيذاء وصبر على الأذى.
اعلم أن الاختلاط بالناس على الوجه الذى ذكرته هو المختار الذى كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسائر الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم، وكذلك الخلفاء الراشدون، ومن بعدهم من الصحابة والتابعين، ومن بعدهم من علماء المسلمين وأخيارهم، وهو مذهب أكثر التابعين ومن بعدهم، وبه قال الشافعى وأحمد، وأكثر الفقهاء رضي الله عنهم أجمعين. قال الله تعالى: {وتعاونوا على البر والتقوى} ((المائدة 2)) والآيات فى معنى ما ذكرته كثيرة معلومة.
71- باب التواضع وخفض الجناح للمؤمنين
قال الله تعالى: {واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين} ((الشعراء 215)). وقال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتى الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين} ((المائدة: 54)). وقال تعالى: {يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم} ((الحجرات 13)) وقال تعالى: {فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى} ((النجم 32)) وقال تعالى: {ونادى أصحاب الأعراف رجالاً يعرفونهم بسيماهم قالوا ما أغنى عنكم جمعكم وما كنتم تستكبرون، أهؤلاء الذين أقسمتم لا ينالهم الله برحمة ادخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون} ((الأعراف: 48-49)).
602- وعن عياض بن حمار رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن الله أوحى إلي أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد، ولا يبغي أحد على أحد” ((رواه مسلم)).
603- وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “ما نقصت صدقة من مال، و ما زادالله عبداً بعفو إلا عزاً، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله” ((رواه مسلم)).
604- وعن أنس رضي الله عنه أنه مر على صبيان فسلم عليهم وقال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعله. ((متفق عليه))
605- عنه قال: إن كانت الأمة من إماء المدينة لتأخذ بيد النبي صلى الله عليه وسلم، فتنطلق به حيث شاءت. ((رواه البخاري)).
606- وعن الأسود بن يزيد قال: سئلت عائشة رضي الله عنها: ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصنع فى بيته؟ قالت: كان يكون فى مهنة أهله -يعنى: خدمة أهله- فإذا حضرت الصلاة، خرج إلى الصلاة” ((رواه البخاري)).
607- وعن أبي رفاعة تميم بن أسيد رضي الله عنه قال: انتهيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يخطب، فقلت: يا رسول الله رجل غريب جاء يسأل عن دينه لا يدرى ما دينه؟ فأقبل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وترك خطبته حتى انتهى إلى فأتى بكرسي، فقعد عليه وجعل يعلمني مما علمه الله ثم أتى خطبته فأتم آخرها”. ((رواه مسلم)).
608- وعن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أكل طعاماً لعق أصابعه الثلاث قال: وقال: “إذا سقطت لقمة أحدكم، فليمط عنها الأذى، وليأكلها، ولا يدعها للشيطان” وأمر أن تسلت القصعة قال: فإنكم لا تدرون فى أى طعامكم البركة” ((رواه مسلم)).
609- وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “ما بعث الله نبياً إلا رعى الغنم” قال أصحابه: وأنت؟ فقال: نعم كنت أرعاها على قراريط لأهل مكة” ((رواه البخاري)).
610- وعنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لو دعيت إلى كراع أو ذراع لأجبت ولو أهدى إلى ذراع أو كراع لقبلت”. ((رواه البخاري)).
611- وعن أنس رضي الله عنه قال: كانت ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم: العضباء لا تسبق، أو لا تكاد تسبق فجاء أعرابي على قعود له، فسبقها، فشق ذلك على المسلمين حتى عرفه، النبي صلى الله عليه وسلم فقال: “حق على الله أن لا يرتفع شئ من الدنيا إلا وضعه” ((رواه البخاري)).
72- باب تحريم الكبر والإعجاب
قال الله تعالى: {تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علواً في الأرض ولا فساداً والعاقبة للمتقين} ((القصص 83)) وقال تعالى: {ولا تمش في الأرض مرحاً} ((الإسراء 37)) وقال تعالى: {ولا تصعر خدك للناس ولا تمش في الأرض مرحاً إن الله لا يحب كل مختال فخور} ((لقمان: 18)) (12). وقال تعالى: {إن قارون كان من قوم موسى فبغى عليهم وآتيناه من الكنوز ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة إذ قال له قومه لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين} ((القصص 76)) إلى قوله تعالى {فخسفنا به وبداره الأرض} الآيات.
612- وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: “لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر” فقال رجل” إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسناً ونعله حسناً؟ قال: “إن الله جميل يحب الجمال الكبر بطر الحق وغنط الناس” ((رواه مسلم)).
(13)
613- وعن سلمه بن الأكوع رضي الله عنه أن رجلاً أكل عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بشماله، فقال: “كل بيمينك” قال: لا أستطيع! قال: “لا اتسطعت” ما منعه إلا الكبر. قال: فما رفعه إلى فيه”. ((رواه مسلم)).
614- وعن حارثة بن وهب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ألا أخبركم بأهل النار؟: كل عتل جواظ مستكبر” ((متفق عليه)). وتقدم شرحه في باب ضعفة المسلمين.
615- وعن أبى سعيد رضي الله عنه، عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: “احتجت الجنة والنار، فقالت النار: في الجبارون والمتكبرون، وقالت الجنة: في ضعفاء الناس ومساكينهم. فقضى الله بينهما: إنك الجنة رحمتي، أرحم بك من أشاء، وإنك النار عذابي أعذب بك من أشاء ولكليكما علي ملؤها” ((رواه مسلم)).
616- وعن أبى هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “لا ينظر الله يوم القيامة إلى من جر إزاره بطراً” ((متفق عليه))
617- وعنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولايزكيهم، ولا ينظر إليهم ، ولهم عذاب أليم: شيخ زان وملك كذاب، وعائل مستكبر” ((رواه مسلم)) (14).
618- وعنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “قال الله عز وجل: العز إزاري والكبرياء ردائي، فمن ينازعني في واحد منهما فقد عذبته” ((رواه مسلم)).
619- وعنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"بينما رجل يمشى في حلة تعجبه نفسه، مرجل رأسه، يختال في مشيته، إذ خسف الله به، فهو يتجلجل في الأرض إلى يوم القيامة” ((متفق عليه)).
(15)
620- وعن سلمه بن الأكوع رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا يزال الرجل يذهب بنفسه حتى يكتب في الجبارين، فيصيبه ما أصابهم” ((رواه الترمذي وقال: حديث حسن. (((16))).
73- باب حسن الخلق
قال الله تعالى: {وإنك لعلى خلق عظيم} ((ن: 4)) وقال تعالى: {والكاظيمن الغيظ والعافين عن الناس} ((الآية: آل عمران: 134)).
621- وعن أنس رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقاً ((متفق عليه)).
622- وعنه قال: ما مسست ديباجاً ولاحريراً ألين من كف رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا شممت رائحة قط أطيب من رائحة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولقد خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين، فما قال لي قط :أف، ولا قال لشئ فعلته: لم فعلته؟ ولا لشئ لم أفعله: ألا فعلت كذا؟ ((متفق عليه)).
623- وعن الصعب بن جثامة رضي الله عنه قال: أهديت رسول الله صلى الله عليه وسلم حماراً وحشياً فرده علي، فلما رأى ما في وجهي قال: “إنا لم نرده عليك إلا لأنا حرم” ((متفق عليه))
624- وعن النواس بن سمعان رضي الله عنه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البر والإثم فقال: “البر حسن الخلق، والإثم: ما حاك في نفسك وكرهت أن يطلع عليه الناس” ((رواه مسلم)).
625- وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم فاحشاً ولا متفحشاً. وكان يقول: “إن من خياركم أحسنكم أخلاقاً” ((متفق عليه)).
626- وعن أبى الدرداء رضي الله عنه: أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: “ما من شئ أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من حسن الخلق، وإن الله يبغض الفاحش البذي” ((رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح.
(((17))).
627- وعن أبى هريرة رضي الله عنه قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكثر ما يدخل الناس الجنة؟ قال: “تقوى الله وحسن الخلق” وسئل عن أكثر ما يدخل الناس النار، قال: “الفم والفرج”. ((رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح)).
628- وعنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً وخياركم خياركم لنسائهم”. ((رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح)).
629- وعن عائشة رضي الله عنها، قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “ إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم” ((رواه أبو داود)).
630- وعن أبى أمامه الباهلى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء، وإن كان محقاً، وببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب، وإن كان مازحاً، وببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه” ((حديث صحيح رواه أبو داود بإسناد صحيح)).
(((18))).
631- وعن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “إن من أحبكم إلي، وأقربكم منى مجلساً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً، وإن أبغضكم إلي وأبعدكم مني يوم القيامة، الثرثارون والمتشدقون والمتفيهقون” قالوا: يا رسول الله قد علمنا “الثرثارون والمتشدون” فما المتفيهقون؟ قال: “المتكبرون” ((رواه الترمذي وقال: حديث حسن)).
"الثرثار": هو كثير الكلام تكلفاً. "والمتشدق": المتطاول على الناس بكلامه، ويتكلم بملء فيه تصافحاً وتعظيماً لكلامه؛ “والمتفيهق” :أصله من الفهق، وهو الامتلاء، وهو الذى يملأ فمه بالكلام، ويتوسع فيه ويغرب به تكبراً واتفاعاً، وإظهاراً للفضيلة على غيره.
وروى الترمذي عن عبد الله بن المبارك رحمه الله في تفسير حسن الخلق قال: هو طلاقة الوجه، وبذل المعروف، وكف الأذى.
74- باب الحلم والأناة والرفق
قال الله تعالى: {والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين} ((آل عمران: 134)) وقال تعالى: {خذ العفو وامر بالعرف وأعرض عن الجاهلين} ((الأعراف: 199)). وقال تعالى: {ولا تستوى الحسنة ولا السيئة، ادفع بالتى هى أحسن، فإذا الذي بينك وبينه عدواة كأنه ولي حميم، وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم} ((فصلت: 34-35)) وقال تعالى: {ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور} ((الشورى: 43)).
632- وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأشج عبد القيس: “إن فيك خصلتين يحبهما الله: الحلم والأناة”. ((رواه مسلم)).
633- وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله” ((متفق عليه)).
634- وعنها أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: " إن الله رفيق يحب الرفق، ويعطى على الرفق ما لا يعطى على العنف ومالا يعطى على ما سواه" ((رواه مسلم)).
635- وعنها أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: “إن الرفق لا يكون في شئ إلا زانه، ولا ينزع من شئ إلا شانه” ((رواه مسلم)).
636- وعن أبى هريرة رضي الله عنه قال: بال أعرابى في المسجد فقام الناس إليه ليقعوا فيه، فقال النبى صلى الله عليه وسلم: “دعوة وأريقوا على بوله سجلاً من ماء، أو ذنوباً من ماء، فإنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين” ((رواه البخارى)).
(((19))).
637- وعن أنس رضي الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: “يسروا ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا ((متفق عليه)).
638- وعن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “من يحرم الرفق يحرم الخير كله” ((رواه مسلم)).
639- وعن أبى هريرة رضي الله عنه أن رجلاً قال للنبى صلى الله عليه وسلم: أوصنى قال: “لا تغضب” فردد مراراً، قال: “لا تغضب”. ((رواه البخارى)).
640- وعن أبى يعلى شداد بن أوس رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “إن الله كتب الإحسان على كل شئ، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته” ((رواه مسلم)).
641- عن عائشة رضي الله عنها قالت: ما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين قط إلا أخذ أيسرهما، ما لم يكن إثماً، فإن كان إثماً، كان أبعد الناس منه، وما انتقم رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه في شئ قط، إلا أن تنتهك حرمة الله، فينتقم لله تعالى. ((متفق عليه))
642- وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ألا أخبركم بمن يحرم على النار -أو بمن تحرم عليه النار؟- تحرم على كل قريب هين لين سهل”. ((رواه الترمذي وقال: حديث حسن)).
75- باب العفو والإعراض عن الجاهلين
قال الله تعالى: {خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين} ((الأعراف: 199)) وقال تعالى: {فاصفح الصفح الجميل} ((الحجر: 85)) وقال تعالى: {وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم} ((النور: 22)) وقال تعالى: {والعافين عن الناس والله يحب المحسنين} ((آل عمران 134)) وقال تعالى: {ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور} ((الشورى 43)). والآيات في الباب كثيرة معلومة.
643- وعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت للنبى صلى الله عليه وسلم: هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أحد؟ قال: “لقد لقيت من قومك، وكان أشد ما لقيته منهم يوم العقبة، إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كلال فلم يجبنى إلى ما أردت، فانطلقت وأنا مهموم على وجهى، فلم أستفق إلا وأنا بقرن الثعالب، فرفعت رأسى، فإذا أنا بسحابة قد أظلتنى، فنظرت فإذا فيها جبريل عليه السلام، فنادانى فقال: إن الله تعالى قد سمع قول قومك لك، وما ردوا عليك، وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم فنادانى ملك الجبال، فسلم على ثم قال: يا محمد إن الله قد سمع قول قومك لك، وأنا ملك الجبال، وقد بعثنى ربى إليك لتأمرنى بأمرك،فما شئت: إن شئت أطبقت عليهم الأخشبين” فقال النبى صلى الله عليه وسلم: "بل أرجو أن يخرج من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئاً". ((متفق عليه))
((“(20)
644- وعنها قالت: ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً قط بيده، ولا امرأة ولا خادماً، إلا أن يجاهد في سبيل الله، وما نيل منه شئ قط فينتقم من صاحبه، إلا أن ينتهك شئ من محارم الله تعالى، فينتقم لله تعالى. ((رواه مسلم)).
645- وعن أنس رضي الله عنه قال: كنت أمشى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعليه برد نجرانى غليظ الحاشية، فأدركه أعرابى، فجبذه بردائه جبذة شديدة، فنظرت إلى صفحة عاتق النبى صلى الله عليه وسلم، وقد أثرت بها حاشية البرد من شدة فضحك، ثم قال: يا محمد مر لى من مال الله الذى عندك، فالتفت إليه فضحك ثم أمر له بعطاء. ((متفق عليه))
646- وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: كأنى أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يحكى نبياً من الأنبياء، صلوات الله وسلامه عليهم، ضربه قومه فأدموه وهو يمسح الدم عن وجهه، ويقول: “اللهم اغفر لقومى فإنهم لا يعملون” ((متفق عليه)).
647- وعن أبى هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذى يملك نفسه عند الغضب” ((متفق عليه))
76- باب احتمال الأذى
قال الله تعالى: {والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين} ((آل عمران 134)) وقال تعالى: {ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور} ((الشورى 43)). وفي الباب: الأحاديث السابقة في الباب قبله.
648- وعن أبى هريرة رضي الله عنه أن رجلاً قال: يا رسول الله إن لى قرابة أصلهم ويقطعونى، وأحسن إليهم ويسيئون إلى، وأحلم عنهم ويجهلون على! فقال: “لئن كنت كما قلت فكأنما تسفهم المل ولا يزال معك من الله تعالى ظهير عليهم ما دمت على ذلك” ((رواه مسلم)) وقد سبق شرحه في “باب صلة الأرحام”.
77- باب الغضب إذا انتهكت حرمات الشرع والانتصار لدين الله تعالى
قال الله تعالى: {ومن يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه} ((الحج: 30)). وقال تعالى: {إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم} ((محمد: 7)) وفي الباب حديث عائشة السابق في باب العفو.
649- وعن أبى مسعود عقبة بن عمرو البدرى رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى النبى صلى الله عليه وسلم، فقال: إنى لأتأخر عن صلاة الصبح من أجل فلان مما يطيل بنا! فما رأيت النبى صلى الله عليه وسلم غضب في موعظة قط أشد مما غضب يومئذ، فقال: “يا أيها الناس: إن منكم منفرين، فأيكم أم الناس فليوجز، فإن من ورائه الكبير والصغير وذا الحاجة” ((متفق عليه))
650- وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من سفر وقد سترت سهوة لى بقرام فيه تماثيل، فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم هتكه وتلون وجهه وقال: “يا عائشة: أشد الناس عذابا عند الله يوم القيامة الذين يضاهون بخلق الله” ((متفق عليه)).
(((21))).
651- وعنها أن قريشاً أهمهم شأن المرأة المخزومية التى سرقت فقالوا: من يكلم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالوا: من يجترئ عليه إلا أسامة بن زيد حب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فكلمة أسامة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أتشفع في حد من حدود الله تعالى؟!” ثم قام فاختطب ثم قال: “إنما أهلك من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد! وايم الله، لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها” ((متفق عليه)) .
652- وعن أنس رضي الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم رأى نخامة في القبلة، فشق ذلك عليه حتى رؤى في وجهه، فقام فحكه بيده فقال: “إن أحدكم إذا قام في صلاته فإنه يناجى ربه، وإن ربه بينه وبين القبلة، فلا يبزقن أحدكم في القبلة، ولكن عن يساره، أو تحت قدمه” ثم أخذ طرف ردائه فبصق فيه، ثم رد بعضه على بعض فقال: “أو يفعل هكذا” ((متفق عليه)).
(((22).
78- باب أمر ولاة الأمور بالرفق برعاياهم ونصيحتهم والشفقة والنهى عن غشهم والتشديد عليهم وإهمال مصالحهم والغفلة عنهم وعن حوائجهم
قال الله تعالى: {واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين} ((الشعراء: 215)) وقال تعالى: {إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذى القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغى يعظكم لعلكم تذكرون} ((النحل: 90))
653- وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “كلكم راع، وكلكم مسئول عن رعيته: الإمام راع ومسؤول عن رعيته، والرجل راع في أهله ومسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها، والخادم راع في مال سيده ومسؤول عن رعيته وكلكم راع ومسؤول عن رعيته” ((متفق عليه))
654- وعن أبى يعلى معقل بن يسار رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم: يقول: “ما من عبد يستر عليه الله رعية، يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته، إلا حرم الله عليه الجنة” ((متفق عليه))
((وفي رواية: "فلم يحطها بنصحه لم يجد رائحة الجنة"))
وفي رواية لمسلم: "ما من أمير يلى أمور المسلمين، ثم لا يجهد لهم وينصح لهم، إلا لم يدخل معهم الجنة".
655- وعن عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في بيتى هذا: “اللهم من ولى من أمر أمتى شيئاً فشق عليهم، فاشقق عليه ومن ولى من أمر أمتى شيئاً، فرفق بهم، فارفق به” ((رواه مسلم)).
656- وعن أبى هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء، كلما هلك نبى خلفه نبى، وإنه لا نبى بعدى وسيكون بعدى خلفاء فيكثرون” قالوا: يا رسول الله فما تأمرنا؟ قال: "أوفوا ببيعة الأول فالأول، ثم أعطوهم حقهم، واسألوا الله الذى لكم ، فإن الله سائلهم عما استرعاهم” ((متفق عليه))
657- وعن عائذ بن عمرو رضي الله عنه أنه دخل على عبيد الله بن زياد، فقال له: أى بنى، إنى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “إن شر الرعاء الحطمة” فإياك أن تكون منهم. ((متفق عليه))
658- وعن أبى مريم الأزدى رضي الله عنه أنه قال لمعاوية رضي الله عنه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “من ولاه الله شيئاً من أمور المسلمين، فاحتجب دون حاجتهم وخلتهم وفقرهم، احتجب الله دون حاجته وخلته وفقره يوم القيامة” فجعل معاوية رجلا على حوائج الناس. ((رواه أبو داود والترمذي)).
79- باب الوالى العادل
قال الله تعالى: {إن الله يأمر بالعدل والإحسان} ((النحل: 90)) وقال تعالى: {وأقسطوا إن الله يحب المقسطين} ((الحجرات: 9)).
659- وعن أبى هريرة رضي الله عنه، عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: “سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل، وشاب نشأ في عبادة الله تعالى، ورجل قلبه معلق بالمساجد، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال، فقال: إنى أخاف الله، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه” ((متفق عليه))
660- وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن المقسطين عند الله على منابر من نور: الذين يعدلون في حمكهم وأهليهم وما ولوا" ((رواه مسلم )).
661- وعن عوف بن مالك رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “خياركم أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم، وتصلون عليهم ويصلون عليكم، وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم، وتلعنونهم ويلعنونهم!” قال: قلنا يا رسول الله، أفلا ننابذه؟ قال: لا، ما أقاموا فيكم الصلاة، لا ما أقاموا فيكم الصلاة” ((رواه مسلم)).
(((23))).
662- وعن عياض بن حمار رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “أهل الجنة ثلاثة: ذو سلطان مقسط موفق، ورجل رحيم رفيق القلب لكل ذي قربى ومسلم، وعفيف متعفف ذو عيال”. ((رواه مسلم)).
80- باب وجوب طاعة ولاة الأمر في غير معصية وتحريم طاعتهم في المعصية
قال الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم} ((النساء 59)).
663- وعن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: “على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره، إلا أن يؤمر بمعصية، فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة” ((متفق عليه))
664- وعنه قال: كنا إذا بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة يقول لنا: “فيما استطعتم” ((متفق عليه))
665- وعنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول “من خلع يداً من طاعة لقي الله يوم القيامة ولا حجة له، ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية” ((رواه مسلم)).
وفي رواية له: “ومن مات وهو مفارق للجماعة، فإنه يموت ميتة جاهلية”
((رواه مسلم)).
وفي رواية له: “ومن مات وهو مفارق للجماعة، فإنه يموت ميتة جاهلية”.
(((24))).
666- وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “اسمعوا وأطيعوا، وإن استعمل عليكم عبد حبشي، كأن رأسه زبيبة” ((رواه البخارى)).
667- وعن أبى هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “عليك السمع والطاعة في عسرك ويسرك ومنشطك، ومكرهك وأثرة عليك” ((رواه مسلم)).
668- وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، فنزلنا منزلاً، فمنا من يصلح خباءه، ومنا من ينتضل، ومنا من هو في جشره، إذ نادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة جامعة. فاجتمعنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: “إنه لم يكن نبي قبلي إلا كان حقاً عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم، وينذرهم شر ما يعلمه لهم، وإن أمتكم هذه جعل عاقبتها في أولها، وسيصيب آخرها بلاء وأمور تنكرونها، وتجئ فتن يرقق بعضها بعضاً، وتجئ الفتنة فيقول المؤمن : هذه مهلكتي، ثم تنكشف؛ وتجئ الفتنة فيقول المؤمن: هذه هذه، فمن أحب أن يزحزح عن النار، ويدخل الجنة، فلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم الأخر، وليأت إلى الناس الذى يحب أن يؤتى إليه.
ومن بايع إماماً فأعطاه صفقة يده، وثمرة قلبه، فليطعه إن استطاع، فإن جاء آخر ينازعه، فاضربوا عنق الآخر”
((رواه مسلم))..
قوله: “ينتضل” أى : يسابق بالرمي بالنبل والنشاب. “والجشر” بفتح الجيم والشين المعجمة وبالراء: وهى الدواب التى ترعى وتبيت مكانها. وقوله: “يرقق بعضها بعضاً” أى: يصير بعضها بعضا رقيقاً، أى :خفيفاً لعظم ما بعده، فالثانى يرقق الأول. وقيل: معناه، يشوق بعضها إلى بعض بتحسينها وتسويليها، وقيل: يشبه بعضها بعضاً.
669- وعن أبى هنيدة وائل بن حجر رضي الله عنه قال: سأل سلمة بن يزيد الجعفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال: يا نبي الله، أرأيت إن قامت علينا امراء يسألونا حقهم، ويمنعونا حقنا، فما تأمرنا؟ فأعرض عنه، ثم سأله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “اسمعوا وأطيعو؛ فإنما عليهما حملوا، وعليكم ماحملتم” ((رواه مسلم)).
670- وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “إنها ستكون بعدى أثرة، وأمور تنكرونها!” قالوا: يا رسول الله، كيف تأمر من أدرك منا ذلك؟ قال: “تؤدون الحق الذى عليكم، وتسألون الله الذى لكم” ((متفق عليه)) .
671- وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله، ومن يطع الأمير فقد أطاعني، ومن يعص الأمير فقد عصاني” ((متفق عليه)) .
672- وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “من كره من أميره شيئاً فليصبر، فإنه من خرج من السلطان شبراً مات ميتة جاهلية” ((متفق عليه)) .
673- وعن أبى بكرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “من أهان السلطان أهانه الله” ((رواه الترمذي وقال: حديث حسن)).
وفي الباب أحاديث كثيرة في الصحيح ، وقد سبق بعضها في أبواب.
81- باب النهى عن سؤال الإمارة واختيار ترك الولايات إذا لم يتعين عليه أو تدع حاجة
قال الله تعالى: {تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فساداً والعاقبة للمتقين} ((القصص:83)).
674- وعن أبى سعيد عبد الرحمن بن سمرة رضي الله عنه ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، "يا عبد الرحمن بن سمرة: لا تسأل الإمارة، فإنك إن أعطيتها عن غير مسألة أعنت عليها، وإن أعطيتها عن مسألةٍ وكلت إليها، وإذا حلفت على يمين ، فرأيت غيرها خيراً منها، فأت الذى هو خير ، وكفر عن يمينك” ((متفق عليه)) .
675- وعن أبى ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ يا أبا ذر إني أراك ضعيفاً، وإنى أحبُّ لك ما أحب لنفسي، لا تأمرن على اثنين ولا تولين مال يتيم” ((رواه مسلم)).
676- وعنه قال: قلت يا رسول الله ألا تستعملني؟ فضرب بيده على منكبي ثم قال: “يا أبا ذر إنك ضعيف، وإنها أمانة، وإنها يوم القيامة خزي وندامة، إلا من أخذها بحقها، وأدى الذى عليه فيها” ((رواه مسلم)).
677- وعن أبى هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “إنكم ستحرصون على الإمارة، وستكون ندامة يوم القيامة” ((رواه البخارى)).
82- باب حث السلطان والقاضي وغيرهما من ولاة الأمور على اتخاذ وزير صالح وتحذيرهم
من قرناء السوء والقبول منهم
قال الله تعالى: {الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين} ((الزخرف:67)).
678-عن أبي سعيد وأبي هريرة رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : “ما بعث الله من نبي، ولا استخلف من خليفة إلا كانت له بطانتان بطانة تأمره بالمعروف وتحضه عليه، وبطانة تأمره بالشر وتحضه عليه، والمعصوم من عصم الله” ((رواه البخارى)).
679- وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إذا أراد الله بالأمير خيراً، جعل له وزير صدق، إن نسي ذكره، وإن ذكر أعانه، وإذا أراد به غير ذلك جعل له وزير سوء، إن نسي لم يذكره، وإذ ذكر لم يعنه” ((رواه أبو داود بإسناد جيد على شرط مسلم)).
83-باب النهى عن تولية الإمارة والقضاء وغيرهما من الولايات لمن سألها أو حرص عليها فعرض بها
680-عن أبى موسى الأشعري رضي الله عنه قال: دخلت على النبى صلى الله عليه وسلم أنا ورجلان من بني عمي، فقال أحدهما: يا رسول الله أمرنا على بعض ما ولاك الله، عز وجل، وقال الآخر مثل ذلك، فقال: “إنا والله لا نولى هذا العمل أحدا سأله، أو أحدا حرص عليه” ((متفق عليه)) .